قصة الرجل العادل والملك


قصة الرجل العادل والملك 

أراد الملك الناصر بيك أن يتعرف على صدق ما يدار بين الناس وجود رجل حكيما عادلا في إحدى انحاء مملكته، لديه القدرة على الفطنة السريعة على الفور، ولا يستطيع أي انسان أن ينكر حكمته، فتنكر الأمير في زي تاجر وأردف على حصانه واتجه نحو تلك القرية، حيث يسكن فيها الرجل الحكيم.

عندما وصل الناصر بيك عند مسافة من القرية اقترب منه راعي أعرج وطلب منه أن يعطيه مما أعطاه الله تعالى، استجاب الملك وأعطاه ما اراده وأراد أن يواصل سفره إلا أن الراعي امسك باقدام الملك فساله الملك الناصر بيك٢ :- ماذا تريد ؟؟ ألم أهبك ماتريد؟ فرد الراعي
اجل لقد وهبتني ما اريد، لكنني استاذنك أن تقدم لي معروفا بأن أركب معك الحصان وتقوم بتوصيلي حتى القرية فإني أخشى أن تاكلني الذئاب والوحش .

وافق الملك الناصر بيك للراعي الأعرج أن يركب معه، وما أن وصلا إلى القرية رفض الراعي أن ينزل عن ظهر الحصان
وقال له الناصر بيك : لم أنت باقي؟ هيا انزل ... لقد وصلنا  رد الراعي عليه بقوله: لا انزل ؟ انزل لماذا ؟ إن هذا جوادي … وإذا لم تعطني إياه بالمرؤئة فلنذهب إلى الرجل الحكيم ، تجمع عدد من الناس حولهما وسعوا عما يتشاجران ، فصاحوا: هيا اذهبا إلى الحكيم، فهو الذي سيعدل فيما بينكما.

ذهب الملك الناصر بيك مع الراعي إلى الحكيم، وكان عند الحكيم عددا من الناس، نادي الحكيم على الذين جاءوا لطلب الحل في قضاياهم كل حسب ادوارهم، وقبل أن يحين دور الناصر بك أمام الحكيم، نودي على رجل من رجال العلم والمعرفة واحد البستانين إذ ادعى كل منهما أن المرأة التي تقف بجانبهما أمام الحكيم هي حرمته.

قال البستاني: إن هذه المرأة هي زوجتي في الوقت الذي يقول فيه الرجل العارف إنها حرمته هو الأخر.. فاستمع الحكيم وسكت قليلا ثم قال : اتركا المرأة عندي هنا، أما انتما، فاحضرا غدا، وعندما غادر الرجل العارف والبستاني من عند الحكيم حضر نجار وبائع سمن، كانت ملابس النجار ملوثة بالدم، أما بائع السمن فملابسه ملطخة بالدهن، وكان بائع السمن قابضا بيديه على يد النجار التي بها بعض الدراهم .

قال النجار: لقد اشتريت من هذا الشخص بعضا من السمن، وحينها أخرجت من جیبی علبة الدراهم لأعطي له ثمن السمن، إلا أنه أمسك بيدي و أراد أن يسرق كل ما معي من دراهم فأتينا إليك أمسك علبة الدراهم في يدي ، لكني أؤكد لك أن هذه الدراهم دراهمي، أما هو فيقبض على يدي، فهو سارق وهنا قال بائع السمن : هذا ليس بصحيح، لقد حضر إلى النجار لشراء بعض السمن، وعندما كنت أملا له قليلا من السمن ، طلب مني أن أفك له بعض الدراهم .

فأحضرت له الدراهم ووضعتها على المنضدة فاخذها وأراد أن يلوذ بها فأمسكت بيده وأحضرته إلى هنا، سكت الحكيم ثم قال : اترك الدراهم هنا وتعالوا غدا جاء دور (الناصر بيك) والراعي أمام الحكيم فحكى (الناصر بيك )عما جرى وأنصت إليه الحكيم ، الذي طلب من الراعي يروي ما حدث فقال الراعي: هذا ليس بصحيح. كنت في طريقي إلى القرية راكبا حصاني، بينما كان هو مستلقي على الأرض فطلب مني أن أقوم بتوصيله إلى القرية فصعد معي على ظهر الحصان وأوصلته حيث كان يريد، لكنه رفض أن ينزل عن ظهر الحصان وقال إن هذا حصانه، وهذا افتراء.

فكر الحكيم وقال لهما : اتركا الحصان هنا واحضرا غدا في اليوم التالى حضر عدد من الناس للاستماع إلى حكم الحكيم، ولما جاء دور التاجر والراعي قال : الحكيم للتاجر الذي هو الأمير له إنه حصانك، فخذه. أما الراعي فيضرب بالعصا مئة مرة.. ولاحظ الحكيم وهو في طريقه إلى بيته بعد الجلسة أن (الناصر بيك )
كان يتتبعه، فنادى الحكيم عليه وساله : ماذا بك ؟ ألم ترض بقرارى الذي نطقته ؟ قال الناصر بيك : لا إنني راض … ولكني اردت أن أعرف كيف استطعت أن تجزم بأن المراة هي زوجة الرجل العارف وليست زوجة البستاني، وأن الدراهم تخص النجار وليست ننقود بائع السمن، وأن الحصان حصاني وليس حصان الراعي؟

قال الحكيم: بالنسبة للمرأة فقد طلبتها في الصباح وطلبت منها أن تسكب الماء في الجرة فقامت بتنظيف الجرة ثم صبت الماء فيها بسرعة وبحنكة ، فاتضح لى أنها تعودت على أن تفعل هذا الشيء ، وأن هذا الفعل ليس ببعيد عليها ، فإن كانت هي زوجة البستاني ما استطاعت أن تقوم بهذا الشي، وبناء على ذلك يكون الرجل العارف على حق، أما بالنسبة للدراهم فقد عرفت حقيقتها على النحو الآتي .

الأمس وضعت الدراهم في وعاء من الماء وأمعنت النظر في الماء للتأكد من ظهور سمن على سطح الماء، فإذا كانت هذه النقود تخص بائع السمن فلابد وأن تكون بها آثار من يد البائع، لكنه لم يظهر على سطح الماء أي أثر للسمن، ولذلك فالجمال على حق فى امره، أما موضوع الصان فكان أكثر صعوبة، فقد تعرف الراعي كما تعرفت أنت على الحصان من بين الثلاثين حصانا، فأنا لم أصطحبكما إلى حضيرو الخيل لتتعرفا على الحصان، وإنما على من منكما سيتعرف الحصان عليه، فعندما اقتربت أنت من الحصةن حتی رفع رأسه ومدهو نحولك وحينما لمسه الراعي بيده، تضايق الحصان ورفع رجله عن الأرض، وبذلك عرفت صاحب الحصان الحقيقي، عندئذ قال (الناصر بيك) للحكيم :

إني لست بتاجر، وإنما أنا الملك الناصر بيك وقد جئت إلى هنا لأعرف صدق وحقيقة ما يقال عنك وتاكدت بنفسي بانك حكيما فطننا. فلتطلب ما تشاء وسالبيه لك على وجه السرعة، وهنا قال الحكيم ؛ إني لست في حاجة إلى ماتعطيني اياه. فأنا فرح بأن الملك تحقق من حكمتي وفطنتي، وهذا شرف كبيرا لی.

إرسال تعليق

0 تعليقات